عالم الطيور

تعلم كيفية إدارة مزرعتك الصغيرة، تربية الدجاج، إنتاج البيض واللحم، والحفاظ على صحة الطيور مع دليلنا العربي الكامل.

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

سلالة الأوربينجتون (Orpington)

 



دجاج الأوربينجتون: العملاق اللطيف الذي سيحول حديقتك إلى منزل دافئ

في عالم تربية الدواجن، يبحث كل مربٍ، سواء كان مبتدئاً أو خبيراً، عن تلك السلالة "المثالية". سلالة لا تملأ سلة البيض فحسب، بل تملأ القلب بالسكينة والبهجة. سلالة تجمع بين الجمال الهادئ، والإنتاجية الموثوقة، وشخصية ودودة تجعلها فرداً من العائلة أكثر من كونها مجرد طائر في الحديقة. إذا كان هذا هو حلمك، فاسمح لي أن أقدم لك دجاج الأوربينجتون (Orpington Chicken)، العملاق اللطيف، والدب الدمية في عالم الدواجن، والسلالة التي أعادت تعريف معنى "الدجاجة الأليفة".

إن تربية دجاج الأوربينجتون ليست مجرد مشروع لإنتاج البيض واللحم؛ إنها تجربة فريدة في بناء علاقة مع طائر هادئ، حنون، وجميل بشكل يأسر الألباب. هذا المقال هو رحلتك الشاملة لاستكشاف كل زاوية وركن في عالم هذه السلالة الإنجليزية النبيلة. سنتعمق في تاريخها المثير، ونصف جمالها الريفي الأنيق، ونكشف أسرار شخصيتها التي جعلتها الخيار الأول للعائلات والمربين الباحثين عن الهدوء والرفقة. استعد للتعرف على الطائر الذي قد يغير نظرتك تمامًا لما يمكن أن تكون عليه تربية الدجاج.



الفصل الأول: قصة من الضباب الإنجليزي - ولادة رؤية وليام كوك

لكي نفهم روح سلالة الأوربينجتون، يجب أن نسافر عبر الزمن إلى إنجلترا في أواخر العصر الفيكتوري، في نهاية القرن التاسع عشر. كانت تلك فترة تغييرات صناعية هائلة، حيث انتقل الناس من الريف إلى المدن المكتظة. في خضم هذا التغيير، لاحظ رجل ذو رؤية يُدعى وليام كوك، من بلدة أوربينجتون في مقاطعة كنت، أن هناك فجوة في سوق الدواجن.

كان المربون في ذلك الوقت يركزون إما على سلالات الزينة الغريبة ذات الإنتاجية الضعيفة، أو على سلالات المزارع العملية التي تفتقر إلى الجمال. رأى كوك فرصة لإنشاء شيء جديد: دجاجة تجمع بين أفضل ما في العالمين. لقد حلم بسلالة ثنائية الغرض بامتياز، طائر ينتج كمية وفيرة من البيض واللحم، وفي نفس الوقت يكون جميل المظهر وهادئ الطبع ليناسب حدائق الضواحي الصغيرة التي بدأت في الظهور.

والأهم من ذلك، أراد كوك دجاجة ذات جلد أبيض، لأن الجمهور الإنجليزي في ذلك الوقت كان يفضل الدواجن ذات الجلد الأبيض على تلك ذات الجلد الأصفر.

بدأ وليام كوك رحلته الطموحة بتهجين سلالات مختلفة بعناية فائقة. لإنشاء الأوربينجتون الأسود الأصلي (Black Orpington) في عام 1886، قام بتهجين دجاج المينوركا الأسود (لإنتاج البيض)، مع البلايموث روك المخطط (للحجم والصلابة)، ودجاج اللانغشان الأسود (لجودة اللحم والجلد الأبيض).

كان النجاح فوريًا وباهرًا. لقد أحب الجمهور هذا الطائر الجديد، ليس فقط لقدراته الإنتاجية، ولكن لشكله الكبير والمستدير وريشه الأسود اللامع الذي يطلق عليه "أسود الخنفساء". لم يتوقف كوك عند هذا الحد، بل واصل تطوير ألوان أخرى، وأشهرها على الإطلاق هو الأوربينجتون الأصفر (Buff Orpington)، الذي قدمه في عام 1894 وأصبح أيقونة السلالة واللون المفضل لدى المربين حول العالم حتى يومنا هذا. لقد أصبحت سلالة الأوربينجتون رمزًا للجودة الإنجليزية، وسرعان ما انتشرت من مزارع كنت إلى أستراليا، وأمريكا، وبقية أنحاء العالم.




الفصل الثاني: كرة ريش ضخمة - الجمال الهادئ والمواصفات الشكلية

إن أول ما يلفت انتباهك عند رؤية دجاج الأوربينجتون هو حجمه وشكله. إنه ليس طائرًا طويلًا ونحيفًا، بل هو كتلة ضخمة ومستديرة من الريش الناعم. جماله لا يكمن في الألوان الصارخة، بل في حضوره الهادئ والمهيب.

  • الشكل والحجم: يتميز الأوربينجتون بجسم عريض وعميق وظهر قصير ومنحني، مما يمنحه شكلاً مستديرًا وممتلئًا. يقف على أرجل قصيرة وقوية غالبًا ما تكون مخفية تحت ريشه الغزير، مما يجعله يبدو وكأنه ينساب على الأرض. إنه طائر ثقيل؛ حيث يصل وزن الديك إلى حوالي 4.5 كيلوغرام، وتزن الدجاجة حوالي 3.6 كيلوغرام.

  • الريش الغزير والناعم: السمة الأبرز هي ريشه الكثيف والفضفاض. هذا الريش ليس فقط جميلاً، بل يخدم غرضًا عمليًا، حيث يعمل كطبقة عازلة ممتازة تحميه من البرد، مما يجعله أحد أفضل سلالات الدجاج المقاومة للبرد. هذا الريش الناعم هو ما يمنحه مظهر "الكرة المنتفخة" المحبب.

  • تنوع الألوان: على الرغم من أن الأوربينجتون الأصفر (Buff) هو الأكثر شهرة، إلا أن السلالة تأتي في مجموعة رائعة من الألوان المعترف بها، بما في ذلك:

    • الأسود (Black): اللون الأصلي، ذو لمعان أخضر جميل.

    • الأبيض (White): ناصع البياض وأنيق.

    • الأزرق (Blue): لون رمادي مزرق جميل مع إطار أغمق للريش.

    • اللافندر (Lavender): لون رمادي فاتح موحد وساحر.

    • المنقط (Speckled): مزيج جميل من ألوان الماهوغاني والأبيض والأسود.

  • الرأس الهادئ: له رأس صغير نسبيًا مقارنة بحجم جسمه، مع عرف مفرد متوسط الحجم وأحمر زاهي، وشحمات أذن ودلايات حمراء، مما يمنحه تعابير وجه ودودة وهادئة.




الفصل الثالث: قلب من ذهب - الشخصية التي أسرت الملايين

إذا كان هناك سبب واحد يجعل الناس يختارون الأوربينجتون مرارًا وتكرارًا، فهو شخصيته. إن طبع دجاج الأوربينجتون هو المعيار الذهبي الذي تُقاس به جميع سلالات الدجاج الودودة.

  • ودود وحنون بشكل استثنائي: الأوربينجتون ليس مجرد دجاجة هادئة، بل هي دجاجة محبة للتفاعل البشري. ستتعرف عليك، وتتبعك في الحديقة، وغالبًا ما تقفز بهدوء إلى حجرك لتنال قسطًا من المداعبة. لهذا السبب يُطلق عليها لقب "دجاجة الحضن" (Lap Chicken).

  • مثالي للأطفال: صبره وطبيعته المسالمة تجعله الخيار الأكثر أمانًا وموثوقية للعائلات التي لديها أطفال. إنه يتحمل التعامل اللطيف من الأطفال بصدر رحب، ونادرًا ما يظهر أي علامات للتوتر أو العدوانية.

  • هادئ وغير مزعج: هو طائر قليل الحركة نسبيًا، يقضي وقته في التجول بهدوء. صوته ليس مرتفعًا أو حادًا، مما يجعله خيارًا ممتازًا للتربية في المناطق السكنية أو لمن يفضلون بيئة هادئة.

  • مسالم مع القطيع: يميل إلى أن يكون في أسفل أو منتصف الترتيب الهرمي للقطيع. طبيعته المسالمة تعني أنه نادرًا ما يبدأ الشجارات، ولكنه في المقابل قد يكون عرضة للتنمر من السلالات الأكثر عدوانية ونشاطًا.




الفصل الرابع: سخاء المزرعة - الإنتاجية الموثوقة من البيض واللحم

لا تنسَ أن وليام كوك طور هذه السلالة لتكون عملية ومنتجة، وهي لا تزال كذلك حتى اليوم.

  • إنتاج بيض الأوربينجتون: هي دجاجة بياضة جيدة وموثوقة. يمكنك توقع حوالي 150 إلى 200 بيضة في السنة. قد لا يكون هذا الرقم منافسًا للسلالات الهجينة المتخصصة، لكن ما يميزها هو استمراريتها. إنها من أفضل سلالات الدجاج التي تبيض في الشتاء، حيث أن ريشها الكثيف يحافظ على دفئها وطاقتها للإنتاج حتى في الطقس البارد. بيضها كبير الحجم وذو لون بني فاتح جميل.

  • جودة اللحم: كونه سلالة ثنائية الغرض، فإنه يوفر لحمًا وفيرًا وعالي الجودة. نظرًا لنموه البطيء نسبيًا مقارنة بدجاج اللحم التجاري، يكون لحمه أكثر طراوة ونكهة. جلده الأبيض يجعله مرغوبًا جدًا كطائر مائدة تقليدي.




الفصل الخامس: الدليل العملي لرعاية العملاق اللطيف

تربية دجاج الأوربينجتون تجربة ممتعة ومجزية، وهو لا يتطلب الكثير من العناية الخاصة، لكن بعض النقاط ستضمن سعادته وصحته:

  1. المسكن والحماية:

    • يحتاج إلى مسكن جاف وآمن. نظرًا لحجمه الكبير، تأكد من أن فتحات الدخول ومساحة الأرضية كافية.

    • لا يحتاج إلى مجاثم عالية جدًا، لأن وزنه الثقيل يجعل القفز صعبًا عليه. مجثم عريض ومنخفض سيكون مثاليًا.

  2. التغذية وإدارة الوزن:

    • يمكن تغذيته على علف الدجاج البياض القياسي.

    • الأوربينجتون لديه ميل لزيادة الوزن والكسل. من المهم عدم الإفراط في إطعامه بالحلويات والحبوب الغنية بالسعرات الحرارية. السماح له بالرعي والتجول سيساعده على البقاء نشيطًا وفي وزن صحي.

  3. التعامل مع الطقس:

    • البرد: هو سيد الموقف في الشتاء. ريشه الكثيف يجعله من أكثر السلالات تحملاً للبرد.

    • الحرارة: هذا هو التحدي الأكبر. ريشه الكثيف ووزنه الثقيل يجعله عرضة للإجهاد الحراري في الصيف. من الضروري توفير الكثير من الظل، والماء النظيف والبارد، وربما بعض الفواكه المبردة لمساعدته على التغلب على الحرارة.

  4. الصحة: هو طائر قوي بشكل عام. التحدي الرئيسي يأتي من ريشه الكثيف الذي يمكن أن يكون ملاذًا للطفيليات الخارجية مثل القمل والسوس. الفحص الدوري، وتوفير حمام غبار جيد، والحفاظ على نظافة الحظيرة هي أمور أساسية.




الفصل السادس: الأم الحنونة - غريزة الأمومة في الأوربينجتون

إذا كنت تحلم بقطيع يتكاثر بشكل طبيعي، فإن دجاجة الأوربينجتون هي حليفك الأفضل. تُعرف هذه السلالة بأنها من أفضل الأمهات في عالم الدواجن.

  • تميل إلى الرقود (الحضون): لديها غريزة حضون قوية جدًا. بمجرد أن تقرر الرقود على مجموعة من البيض، ستظل جالسة بتفانٍ مذهل.

  • أمهات رائعات: بعد تفقيس البيض، تتحول إلى أم حنونة ويقظة، تعلم صغارها كيفية الأكل والشرب وتحميهم بشراسة لطيفة من أي خطر محتمل.

 هل الأوربينجتون هو الدجاجة المناسبة لك؟

دعنا نلخص الأمر. دجاج الأوربينجتون هو الخيار المثالي إذا كنت تبحث عن:

  • دجاجة ذات طبع ودود للغاية، آمنة للأطفال، وأشبه بحيوان أليف.

  • مظهر ريفي جميل وممتلئ يضيف لمسة من الأناقة إلى حديقتك.

  • إنتاجية جيدة ومستمرة من البيض البني الكبير، خاصة في فصل الشتاء.

  • سلالة قوية ومقاومة للبرد بأقل قدر من المتطلبات.

  • أم حاضنة ممتازة إذا كنت ترغب في قطيع مستدام.

قد لا يكون الخيار الأفضل إذا كنت تعيش في مناخ حار جدًا، أو إذا كنت تريد أعلى إنتاجية ممكنة من البيض وتنافس السلالات الهجينة.

في النهاية، اختيار دجاج الأوربينجتون هو اختيار لأسلوب حياة. إنه اختيار للهدوء على الصخب، وللرفقة على الإنتاجية البحتة، وللجودة على الكمية. إنه استثمار في السعادة، وفي تلك اللحظات الهادئة التي تقضيها في حديقتك مع طائر لطيف يتبعك في كل مكان، مذكّرًا إياك بأن أعظم متع الحياة غالبًا ما تأتي في ألطف وأرق صورها.

عن الكاتب

عالم الطيور

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عالم الطيور